تثاؤبك قد يُعديني... فما السر؟

لا يُعد التثاؤب مجرد تعبير عن التعب أو الملل كما يعتقد الكثيرون، بل تشير دراسات علمية حديثة إلى أنه قد يؤدي دورًا أعمق في التواصل الاجتماعي بين الأفراد. فقد تبين أن مشاهدة شخص يتثاءب، أو حتى الاستماع إلى صوت التثاؤب، كفيلان بتحفيز نفس السلوك لدى الآخرين بشكل لا إرادي، في ما يُعرف علميًا بـ"عدوى التثاؤب". المثير في الأمر أن هذه الظاهرة لا تقتصر على البشر فقط، بل سُجلت أيضًا لدى بعض الحيوانات مثل الشمبانزي والكلاب، ما يفتح باب التساؤل حول الروابط العصبية والاجتماعية الكامنة خلف هذا السلوك اللاواعي.
وفقًا للدكتور تشارلز سويت، الطبيب النفسي المعتمد والمستشار الطبي لدى "لينير هيلث"، فإن خلايا عصبية تُعرف بـ"الخلايا العصبية المرآتية" قد تلعب دورا في هذه الظاهرة.
هذه الخلايا تستجيب للأفعال التي يراها الشخص في الآخرين، ما يفسر جزئيًا لماذا تنتقل الرغبة في التثاؤب من شخص لآخر.
وفي دراسة حديثة، أظهرت النتائج أن رؤية الآخرين يتثاءبون قد تُحسن من قدرة الفرد على اكتشاف التهديدات، ما يعزز نظرية أن التثاؤب المُعدي قد يكون آلية جماعية لزيادة اليقظة.
ومن النظريات الأخرى المطروحة، أن التثاؤب المُعدي تطوّر للمساعدة في تنسيق سلوكيات المجموعة، إذ يتبع التثاؤب إيقاعًا يوميًا طبيعيًا، ويُستخدم كمؤشر على الانتقال بين الأنشطة، وعندما يتثاءب عدد من أفراد المجموعة في نفس الوقت، فإن ذلك قد يسهم في توحيد نمط النشاط بينهم.
دعمًا لهذه النظرية، كشفت دراسة حديثة أجريت على الأسود الإفريقية البرية، أن الأسود التي "أصيبت" بعدوى التثاؤب كانت أكثر احتمالًا بمقدار 11 مرة لتقليد حركات الأسود الأخرى مقارنة بمن لم يتثاءب.
لكن ليس الجميع يتأثر بنفس الدرجة؛ فحوالي 40 بالمئة إلى 60 بالمئة من الأشخاص يتثاءبون عند رؤية آخرين يتثاءبون، حسب دراسات مخبرية.
كما أظهرت أبحاث أن الاستجابة للتثاؤب المعدي قد تكون مرتبطة بمستوى التعاطف لدى الأفراد، لكن النتائج ظلت متباينة.
في المقابل، تم رصد علاقة عكسية بين التثاؤب المُعدي والسمات السيكوباتية، حيث يميل الأشخاص الذين يسجلون درجات أعلى في سمات مثل التلاعب والأنانية والبرود العاطفي إلى عدم التأثر بعدوى التثاؤب.
وختم الدكتور سويت بالقول: "في نهاية المطاف، لا يتعلق التثاؤب المُعدي بالتعب بقدر ما يتعلق بالترابط. إنها الطريقة الهادئة التي يستخدمها الدماغ للتماهي مع من حولك من البشر، وأحيانا حتى من الحيوانات الأليفة".