مشروع قانون برلماني يثير الجدل في تونس
في خطوة تهدف للحد من ظاهرة هجرة الأدمغة والكفاءات في تونس، يعتزم نواب في البرلمان عرض مشروع قانون للحد من هذا النوع من الهجرة حيث يفرض على المهندسين والأطبّاء الراغبين في العمل خارج البلاد، دفع تعويضات مالية للدولة نظير كلفة تعليمهم وتكوينهم بالجامعة، ما أثار جدلا واسعا وقوبل بانتقادات كثيرة، حيث اعتبرت هيئتا المهندسين والأطباء أنّه غير دستوري وغير منطقي وسالب للحريّة.
وأوضحت النائبة بالبرلمان فاطمة المسدي، أن مشروع القانون ينص على التزام خريجي الجامعات التونسية في مجالات الطب والهندسة والتخصصات التقنية العالية، الذين يختارون العمل في الخارج خلال السنوات الـ5 الأولى بعد التخرج، بتسديد 50% من تكاليف دراستهم الجامعية التي أتموها في تونس للدولة التونسية، على أقساط سنوية، وفق جدول زمني يتم الاتفاق عليه بين الخريج ووزارة التعليم العالي.
كما أضافت في منشور على صفحتها بموقع "فيسبوك"، أن هذا القانون يستثني الخريجين الذين يعودون للعمل في تونس قبل انقضاء 5 سنوات من تاريخ مغادرتهم، شريطة البقاء والعمل في تونس لمدة لا تقل عن 3 سنوات متتالية، مشيرة إلى أن الأموال المحصلة من هذا البرنامج، ستخصص لتحسين جودة التعليم العالي وتطوير البنية التحتية للجامعات التونسية.
الحد من هجرة الكفاءات
وأوضحت أن اقتراح هذا القانون جاء بعد تنامي ظاهرة هجرة الكفاءات، خاصة الأطباء والمهندسين الذين تلقوا تعليمهم في الجامعات التونسية، والتي أدّت إلى استنزاف الموارد البشرية المؤهلة وكبّدت الدولة خسائر مالية كبيرة، حيث تستثمر في تعليم هؤلاء المهنيين دون الاستفادة من خبراتهم في تنمية البلاد، إلى جانب تأثير الهجرة سلبًا على جودة الخدمات الصحية والتقنية في تونس.
وأشارت إلى أن هذا القانون يهدف إلى وضع آلية لاسترداد جزء من تكاليف التعليم العالي من الخريجين الذين يختارون العمل في الخارج، وإلى تحقيق توازن بين حرية الأفراد في اختيار مكان عملهم وحق الدولة في الاستفادة من استثماراتها في التعليم العالي.
لكن مشروع هذا القانون أثار جدلا واسعا وقوبل بانتقادات واسعة، حيث اعتبرت هيئتا المهندسين والأطباء أنّه غير دستوري وغير منطقي وسالب للحريّة، ولن يحقّق أي إضافة للبلاد.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، فتح نقاش واسع حول هذا القانون المقترح، حيث عبّر جامعيون عن استيائهم من محاولة تكبيل ومعاقبة خريجي الجامعات الذين اختاروا طريق الهجرة، بعد أن عجزت الدولة عن توفير مواطن شغل لهم.
حلول.. وليس عقوبات
من جانبه، يقول مصطفى عطية، في تعليقه، إن مشروع القانون "كان من المفروض أن يتعلق بإيجاد حلول عملية لتوفير بقاء الكفاءات في بلدهم كالعمل وفتح الآفاق والحماية وتوفير الظروف الملائمة للتطور، وليس تشريع عقوبات على كفاءات وجدت نفسها عاطلة ومهمشة وبدون أفق فهاجرت لتأمين مستقبلها".
وتفاعل ناصر البحري كذلك مع هذا المشروع، وكتب "من غير المعقول في دولة نسب البطالة فيها قياسية، وباب الانتداب مغلق في الوظيفة والمرافق العمومية، أن يعاقب من تحصل على عقد عمل في الخارج، بأتاوة استرجاع مصاريف التكوين، بحجة أن الدولة صرفت أموالا لتعليمك"، مضيفا أن سوق الشغل في تونس "محدودة" وغير قادرة على استيعاب كل حاملي الشهادات الجامعية، إلى جانب أن التعليم مجاني.
من جهتها، اعتبرت وداد خمّاري، أن من أعد مشروع القانون "غير مطلع على قيمة التحويلات المالية بالعملة الصعبة للعاملين التونسيين بالخارج إلى الدولة، والتي تفوق مداخيل قطاع السياحة وقطاعات أخرى"، معتبرة أن هجرة الكفاءات "تتحمل مسؤوليته الدولة التي لم توفر فرص عمل لآلاف الدكاترة أو رواتب محترمة لهم تسمح لهم بالعيش بكرامة في بلادهم".
يذكر أن نحو 3 آلاف مهندس يغادرون تونس سنويا، وزهاء 4 آلاف من الكفاءات الطبية غادروها خلال آخر ثلاث سنوات، بحسب ما أظهرته إحصائيات رسمية نشرت منذ 5 أشهر.