أدمغة الرجال ليست كأدمغة النساء.. الجينات تكشف أسرار الاختلاف
أظهرت دراسة علمية حديثة أن مئات الجينات في الدماغ البشري تعمل بطريقة مختلفة بين الذكور والإناث، مما يعزز الفرضية القائلة بأن العوامل الجينية، إلى جانب الهرمونات والبيئة، تلعب دورًا جوهريًا في تشكيل السلوك والوظائف العصبية، وقد تسهم أيضًا في تحديد القابلية للإصابة بأمراض مثل الزهايمر وباركنسون.
فوارق جينية منذ المراحل الجنينية الأولى
أعدّت الدراسة البروفيسورة جيني غريفز من جامعة "لا تروب" الأسترالية، ونُشرت عبر موقع ScienceAlert، حيث بيّنت أن هذه الفوارق في التعبير الجيني تظهر منذ المراحل الأولى لتطور الجنين، أي قبل تكوّن الأعضاء التناسلية أو إفراز الهرمونات الجنسية.
وخلال فحص أنسجة أدمغة لأجنة بشرية بعد وفاتهم، اكتشف الباحثون أن أكثر من 1,800 جين كان أكثر نشاطًا لدى الأجنة الذكور، مقابل نحو 1,300 جين لدى الإناث. وتبين أن هذه الأنماط من النشاط الجيني تستمر لاحقًا في أدمغة البالغين.
أنماط متكررة في أدمغة البشر والحيوانات
أظهرت تحليلات "الترانسكريبتوم" (سجل النشاط الجيني في الخلايا العصبية) أن حوالي 610 جينات كانت أكثر نشاطًا لدى الذكور، و316 جينًا لدى الإناث. والمفاجئ أن 90% من هذه الجينات لا تقع على الكروموسومات الجنسية (X وY)، بل على الكروموسومات العادية المشتركة بين الجنسين، مما يشير إلى وجود آليات تنظيمية خفية تتحكم في نشاطها، قد تكون الهرمونات الجنسية مثل "التستوستيرون" و"الإستروجين" من بين العوامل المؤثرة فيها.
ولم تقتصر الدراسة على البشر فحسب، إذ لوحظت أنماط مشابهة في أدمغة القردة والفئران وحتى الديدان، ما يدل على أن هذه الفروق الجينية تعود إلى أصول تطورية قديمة تعود لأكثر من 70 مليون عام.
هل تعمل أدمغة الجنسين بطرق مختلفة؟
تقول غريفز إن من المبكر الجزم بوجود اختلافات في الذكاء أو التفكير بين الجنسين بناءً على هذه النتائج، لكنها تؤكد أن هذا التباين الواسع في التعبير الجيني لا بد أن ينعكس على بعض الوظائف العصبية.
وأشارت إلى أن الجينات الأكثر نشاطًا في أدمغة الإناث ترتبط بالتواصل بين الخلايا العصبية، بينما ترتبط الجينات النشطة في أدمغة الذكور بالبنى الغشائية والنوى الخلوية، مما يشير إلى اختلافات دقيقة في البنية والتنظيم العصبي.
صلة محتملة بالأمراض العصبية
تُظهر النتائج أن هذه الفوارق الجينية قد تفسر اختلاف معدلات الإصابة ببعض الاضطرابات العصبية بين الجنسين. فالكثير من الجينات المرتبطة بمرض الزهايمر تنشط أكثر لدى الإناث، وهو ما قد يفسر ارتفاع معدلات الإصابة بين النساء، بينما يرتبط جين "SRY" الموجود لدى الذكور فقط بزيادة شدة مرض باركنسون عند تنشيطه في الدماغ.
اختلافات أعمق مما نتصور
خلص الباحثون إلى أن الفروق بين أدمغة الذكور والإناث ليست سطحية أو مكتسبة بالكامل، بل تمتد إلى المستويات الجينية والخلوية. ومع ذلك، لا يعني اختلاف النشاط الجيني بالضرورة وجود اختلاف في الأداء العصبي النهائي، إذ قد تمتلك الخلايا آليات تعويضية للحفاظ على التوازن في وظائفها.
وفي الختام، أكدت غريفز أن التباين البيولوجي بين أدمغة الجنسين يمثل ظاهرة تطورية عالمية تشمل معظم الفقاريات، وأن فهم هذه الفروق سيسهم في تطوير علاجات أكثر دقة للأمراض العصبية التي تختلف في انتشارها بين الرجال والنساء.