إيران: انتفاضة في قلب الظلام... هل ما زال هناك مجال للمساومة؟

في الوقت الذي تزداد فيه قبضة القمع في الداخل الإيراني وتنتشر كاميرات المراقبة وقواعد الحرس الثوري في كل زاوية، يواصل شباب الانتفاضة تحدّيهم للنظام الحاكم بجرأة لافتة تُثير الإعجاب وتفرض التساؤل على كل من لا يزال يراهن على الاسترضاء أو العودة إلى الماضي.
ففي طهران و18 مدينة أخرى، نفّذ شباب الانتفاضة ثلاثين عملية جريئة لإحياء الذكرى الخامسة والأربعين لانطلاقة المقاومة الإيرانية ضد دكتاتورية ولاية الفقيه، والتي بدأت في 20 حزيران/يونيو 1981 عندما أمر خميني بفتح النار على مظاهرة سلمية شارك فيها نصف مليون من أنصار منظمة مجاهدي خلق. كانت تلك نقطة تحوّل تاريخية أعلن فيها الشعب أن زمن السكوت قد انتهى، وبدأت صفحة جديدة من النضال المستمر حتى يومنا هذا.
رغم كل الظروف الأمنية الصارمة، أُضرمت النيران في قواعد للباسيج التابع للحرس الثوري في طهران وأصفهان وسراوان وقرچك وغيرها. كما أُحرقت صور رموز القمع من خميني إلى خامنئي إلى قاسم سليماني، في مشهد يعكس ليس فقط الغضب الشعبي، بل الإصرار على إسقاط النظام بكل رموزه وجرائمه.
هذه العمليات ليست أحداثاً رمزية فحسب، بل هي تجلٍ حيّ لإرادة لا تُقهر، ورسالة مدوية للعالم مفادها أن الشعب الإيراني – بشبابه ونسائه وشجعانه – لا ينتظر أحداً لينقذه من جلاديه، بل يتحرّك بنفسه، متحدياً الدكتاتورية الدينية كما رفض من قبل دكتاتورية الشاه، ليقول بصوت واضح: لا لعودة الماضي، لا للملالي، نعم لجمهورية ديمقراطية حقيقية.
هنا يبرز السؤال: عندما ينتفض هذا الشعب من الداخل، في ظل أقسى أشكال القمع، ويقدّم هذا الثمن الباهظ للحرية، هل يبقى لأي جهة خارجية – سواء حكومات أو أطراف سياسية – مبرر للاستمرار في سياسة المساومة أو الصمت؟
أليس من الجنون التفكير في العودة إلى نظام الشاه الذي رفضه الشعب منذ عقود، أو القبول ببقاء هذا النظام الدموي الذي تفوّق في الإجرام؟
الحل ليس في التدخل العسكري الخارجي، ولا في التسويات المخزية التي تمنح النظام وقتاً إضافياً لقتل شعبه. الحل هو ما طرحته المقاومة الإيرانية منذ سنوات: الخيار الثالث، أي إسقاط النظام من الداخل على يد الشعب والمقاومة المنظمة، وبدعم دولي سياسي وحقوقي واضح.
لقد أعلن الشعب الإيراني خياره: لا عودة إلى الشاه، ولا استمرار لحكم الملالي. المطلوب فقط موقف دولي جريء، يعترف بحق هذا الشعب في الحرية، ويُخرج العالم من صمته المعيب.
هل هناك لحظة أوضح من الآن لطي صفحة المساومة والانحياز إلى شعب لا يزال يقاتل من أجل حياة كريمة في ظل جمهورية ديمقراطية علمانية تعددية؟
إنها ساعة الحقيقة... فأين يقف العالم؟