"أسقاس أمغاز"...أمازيغ العالم يحتفلون بالسنة الجديدة 2974
يحتفل أمازيغ العالم بشكل عام وشمال أفريقيا بشكل خاص في ثاني أسبوع من هذا الشهر بـ"يناير"، الجمعة 12 يناير/كانون الثاني في الجزائر و14 من نفس الشهر بالمغرب
المشهد لم يتغير منذ مئات السنين. كل ليلة مقبلة على عيد رأس السنة الأمازيغية الجديدة، تحضر العائلات الأمازيغية طبق الكسكس بلحم الدجاج متوج بخضروات جافة.
يتجمع أفراد العائلة حول هذا الطبق ويرددون أغاني مرحبة بقدوم العام الجديد، داعين أن يعود بالخير على الجميع وعلى المزارعين بشكل خاص وأن تتهاطل الأمطار بغزارة، لكي تسقي الأراضي التي تعد أحد مصادر الرزق للأمازيغ الذين تسكن غالبيتهم في مناطق جبلية.
هذه السنة أيضا، يحتفل الأمازيغ (الرجال الأحرار) الجمعة 12 يناير/كانون الثاني في العديد من دول العالم بالسنة الجديدة 2974 والتي يطلق عليها تسمية "يناير". كلمة (يناير) تعني باللغة الأمازيغية "إخف أوسغاس" وهو أول شهر في التقويم الفلاحي عند الأمازيغ. ويعتبر يناير إرثا تاريخيا بالنسبة للأمازيغ.
وعلى مر السنين صارت له طقوس خاصة يحتفل بها لغاية اليوم، إذ تلتقي العائلات وتتبادل الزيارات وتتجمع حول مائدة من أطباق تقليدية يجتمع حولها كل الحاضرين فيما توضع معالق خصيصا للغائبين لكي لا ينساهم أحد رغم بعدهم.
من الأزمة البربرية في 1949 إلى الاعتراف باللغة الأمازيغية
الجزائر وعلى غرار دول شمال أفريقيا أخرى، مثل المغرب وتونس وليبيا وبعض دول الساحل كمالي والنيجر وموريتانيا وبوركينا فاسو وصولا إلى الصحراء سواء في مصر وجزر الكناري بإسبانيا، تحتفل هي الأخرى برأس السنة الأمازيغية بعدما اعترفت دستوريا في 2016 بأن اللغة الأمازيغية لغة رسمية بجانب اللغة العربية.
ولم يأت هذا الاعتراف بسهولة بل جاء نتيجة تضحيات جسيمة قدمها أمازيغ البلاد وعلى رأسهم القبائل الذين لم يكفوا منذ ما سمي بـ"الأزمة البربرية" التي نشبت في 1949 بالمطالبة بحقوقهم والاعتراف بهويتهم وثقافتهم ولغتهم، خاصة أن الأمازيغ يشكلون السكان الأوائل الذين عمروا منطقة شمال أفريقيا، وفق المفكر ابن خلدون في كتابه "المقدمة".
وفي حوار هاتفي مع فرانس24، أكد الطاهر مترف، وهو رئيس الجمعية الثقافية الأمازيغية لمدينة مونبولييه (جنوب شرق فرنسا)، أن أمازيغ العالم وبشكل أخص أمازيغ الجزائر والمغرب، ناضلوا وقدموا تضحيات كبيرة لكي تعترف حكوماتهم ودولهم بهويتهم وثقافتهم ولغتهم الأصلية.
وقال: "في الجزائر، لا يمكن نسيان الاحتجاجات والمظاهرات التي نظمت في أبريل/نيسان 1980 في مدينة تيزى وزو (عاصمة القبائل) ومدن أخرى في منطقة القبائل حيث خرج الطلبة والشبان من أعمار مختلفة إلى الشارع للقول لسنا عرب بل أمازيغ وطالبوا بتعليم اللغة الأمازيغية في المدارس والجامعات. لكن نظام الرئيس الشاذلي بن جديد آنذاك قابلهم بالرصاص وقام بفض الاحتجاجات بالقوة مسببا ما يقارب 200 قتيل".
وبالرغم من أن الحصيلة النهائية والحقيقية غير معروفة لغاية الآن، إلا أن أعمال القمع والقتل التي قامت بها قوات خاصة من الجيش الجزائري تحدث عنها المغني الثائر معطوب لوناس في أغنية تحمل عنوان "ليحزن سكان واد عيسي" وهو مكان تواجد جامعة تيزي وزو التي كانت من بين المنظمين لهذه الاحتجاجات.
الجزائر، من قمع الأمازيغ إلى الاعتراف بهويتهم
ويقول معطوب لوناس الذي قتل بـ78 طلقة رصاص من قبل مجهولين في 1998 في أغنيته "ليحزن وادي عيسي عندما بدأ القتل ووصل العسكر ليلا... جميع سكان القرى سارعوا إلى تيزي وزو للدفاع عن الهوية. هذا ليس بغباء، نحن نريد الحرية قبل أن يحصرونا في الزاوية".
نالت هذه الأغنية إعجابا كبيرا في الجزائر وخارجها وفتحت العيون للكثير أمام حقيقة قام النظام وعلى رأسه الرئيس هواري بومدين ثم رؤساء أخرون مثل بن بلة بكتمها، ألا وهي أن الجزائر مثل باقي دول شمال أفريقيا أمازيغية الهوية والأصل وأن سكانها هم أصحاب الأرض.
في 2001، خرج سكان منطقة القبائل في "ربيع أسود" إلى الشارع من جديد لتنظيم مسيرة من مدينة تيزي وزو إلى الجزائر العاصمة للمطالبة بالاعتراف بهويتهم وحقوقهم. فيما قرر أكثر من مليون شخص المشي على الأقدام طيلة مسافة قدرها مائة كيلومتر. لكن عند وصولهم إلى مدخل العاصمة الجزائرية، استقبلوا من قبل مجهولين مدججين بأسلحة بيضاء وتعرضوا إلى هجمات غير مسبوقة، فيما تدخلت أيضا قوات الأمن مستخدمة الرصاص الحي، ما أدى إلى سقوط 121 شخصا وجرح المئات.
الاعتراف بالأمازيغية كهوية ولغة
وخلفت هذه الانتكاسة أزمة سياسية عميقة وشرخا كبيرا بداخل المجتمع الجزائري. فيما حاول نظام بوتفليقة آنذاك ورئيس حكومته أحمد أويحي الذي يعد أمازيغي الأصل هو أيضا تدارك الوضع وتهدئته والشروع في الاعتراف بشكل تدريجي بهوية الجزائر الأمازيغية وباللغة الأمازيغية.
وفي 2016، تم الاعتراف باللغة الأمازيغية لغة رسمية ووطنية بجانب العربية وبدأ تدريسها في المدارس والجامعات وتدوين جميع أسماء مؤسسات الدولة بهذه اللغة بجانب العربية والفرنسية. وهو الشأن نفسه في المغرب الذي اعترف هو الآخر بالأمازيغية كلغة رسمية في 2011 بعد العربية. ويبلغ عدد سكان الأمازيغ حوالي 100 مليون شخص لكن لا توجد إحصائيات دقيقة.
وفرضت في الجزائر سياسة التعريب في السبعينيات ما اعتبر محاولة لطمس لهوية الأمازيغية للجزائريين ولمحو اللغة الفرنسية التي تعد إرث الحرب التحريرية من جهة أخرى. ويرى البعض أن النظام وقتها قام أيضا بمغازلة الإسلاميين لمحاربة الحركة الأمازيغية التي كانت ترفع شعارات لا تقبلها السلطة، من بينها المطالبة بالديمقراطية وبحرية التعبير وإنهاء الفساد والسماح لكل شخص العيش وفق ثقافته وحريته الدينية.
لكن مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي واهتمام الإعلام الدولي بالقضية الأمازيغية، وبفضل الفنانين الأمازيغ الذين سوقوا عبر أغانيهم محتوى هذه الثقافة مثل المغني إدير ومعطوب لوناس وآيت منغلات وفرقة تيناروان من أمازيغ الطوارق ورويشة والدمسيري من المغرب، وصلت الثقافة الأمازيغية إلى جميع أنحاء العالم. فيما قام المغتربون الأمازيغ الذين يعيشون في كندا والولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وفي الدول الأوروبية بتسويق هذه الثقافة عبر تنظيم فعاليات ثقافية وفنية عديدة ليكتشفها باقي العالم.
في فرنسا، إضافة إلى الاحتفالات التي تنظمها الجمعيات الثقافية العديدة، تشهد العاصمة باريس السبت حفلا غنائيا كبيرا بقاعة "زنيث" يحييه الفنان الشاب المشهور محمد علاوة. أما في الجزائر، فيسعد المطرب المعروف لونيس آيت منغلات محبيه الأمازيغ وغيرهم بأغانيه الملتزمة والدافئة في القاعة البيضاوية. للجميع نقول: "أسقاس أمغاز".
وهو رأس السنة الأمازيغية الجديدة 2974. ويعتبر هذا العيد إرثا تاريخيا وثقافيا هاما بالنسبة للأمازيغ الذين يبذلون جهودا وتضحيات كبيرة للحفاظ على هويتهم وثقافتهم الأصلية في ظل العولمة وتصادم الثقافات فضلا عن محاولات بعض الأنظمة السياسية طمس هذه الهوية المتجذرة.
فرانس24