نزوح ومعارك تحاصر السكان.. والمساعدات لا تجد طريقها إلى دارفور

في قلب إقليم دارفور، تعيش مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، تحت حصار خانق حوّلها من مركز حضاري وتاريخي إلى مدينة منكوبة تنهشها المجاعة والأوبئة.
الفاشر، التي كانت يوماً عاصمة لسلاطين دارفور، تقف اليوم على حافة الانهيار، في ظل تقارير أممية تحذّر من انهيار شبه تام للنظام الصحي، وتفاقم أوضاع النزوح والجوع. وأكدت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، رافينا شامدساني، أمس، مقتل 148 شخصاً في المدينة، مشيرة إلى أن الأعداد الحقيقية قد تكون أعلى بكثير.
كما لفتت إلى أن "مصادر موثوقة أفادت بمقتل أكثر من 400 شخص".
فقد باتتت الفاشر معزولة في ظل غياب الممرات الإنسانية الآمنة، في وقت تتزايد فيه التحذيرات من كارثة إنسانية وشيكة تهدد حياة أكثر من مليون ونصف المليون نسمة.
"الوضع كارثي"
وفي السياق، وصف المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان محمد إبراهيم نكروما، في تصريح "للعربية.نت"/الحدث.نت، الوضع الإنساني في الفاشر ومحيطها بـ"الكارثي". وأشار مشيراً إلى أن المدينة تخضع لحصار خانق منذ أكثر من عام، تتخلله عمليات قصف شبه يومية، ما أدى إلى دمار واسع النطاق، وخروج عدد كبير من المستشفيات عن الخدمة، فضلاً عن إخلاء مراكز الإيواء.
كما أوضح أن المعاركت أجبرت سكان الأحياء الشرقية من المدينة على النزوح نحو المناطق الغربية والجنوبية، لاسيما باتجاه معسكري زمزم وأبوشوك، وهما من أقدم معسكرات النزوح في دارفور، حيث أُنشئا في العام 2003.
لكن مع اشتداد المعارك الأخيرة، تضاعفت موجات النزوح، ليصل عدد النازحين في هذين المعسكرين إلى أكثر من 800 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، الذين خاضوا رحلات قاسية من الألم والمعاناة تفوق قدرة العقل على الاستيعاب، وتثقل القلب بالحزن.
ولفت نكروما إلى أن تجدد الاشتباكات داخل معسكر زمزم دفع العديد من السكان إلى النزوح مجدداً إلى داخل الفاشر، في رحلة معاناة جديدة يعيش فيها هؤلاء دون مأوى أو غذاء أو كساء، في ظل غياب أي دعم منظم، سوى بعض المبادرات الفردية وجهود التكايا والمطابخ المركزية التي باتت عاجزة عن تلبية احتياجات هذا الكم الهائل من النازحين.
كما أكد استمرار انعدام فرص إدخال المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية إلى المدينة، مع تدهور متسارع في الأوضاع المعيشية، محذراً من أن الفاشر تواجه "كارثة إنسانية حقيقية".
أما عن الوضع المعيشي، فقال نكروما إن الأسواق تشهد ارتفاعاً جنونياً في الأسعار، وتفاقماً في ندرة السلع الأساسية، موضحاً أن بعض المواد كالعدس والأرز والمعكرونة اختفت تماماً، رغم اعتماد التكايا الخيرية عليها كمصادر رئيسية للطعام. كما أكد أن أسعار السكر والبصل والحبوب كالذرة ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة.
نقابة الأطباء
بدورها، شددت الدكتورة أديبة إبراهيم السيد، عضو اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، على أن "الحصار ترك أثراً بالغ السلبية على مدينة الفاشر والمناطق المحيطة بها"، مشيرة إلى موجات نزوح متزايدة باتجاه القرى المجاورة ومدينة كبكابية.
كما أضافت في تصريحات للعربية.نت/الحدث.نت أن جميع المستشفيات توقفت عن تقديم خدماتها نتيجة لهجرة الكوادر الطبية، باستثناء مستشفى السلام والمستشفى السعودي، حيث يعمل عدد محدود من الأطباء المتطوعين ضمن خدمات الطوارئ.
وأوضحت أن المستشفيين يعانيان من شح حاد في الأدوية المنقذة للحياة، وانعدام شبه كامل للغذاء، وسط بيئة طبية منهكة وانتشار الأوبئة وسوء التغذية، ما أدى إلى تزايد حالات الوفاة، خاصة بين كبار السن والأطفال وذوي الإعاقة.
كذلك وصفت الوضع بـ"الكارثي، خصوصاً بعد المجزرة المروعة التي وقعت في معسكر زمزم وأودت بحياة عدد من المدنيين وتسعة من أفراد الطاقم الطبي. "
بدورها أصدرت نقابة الأطباء بياناً عاجلاً دعت فيه المجتمع الدولي إلى التحرك الفوري لحماية المدنيين في إقليم دارفور. واتهمت قوات الدعم السريع بالتورط في ارتكاب مجازر ضد المدنيين والأطباء بالفاشر.
مخيمات النزوح… مدن منسية
وتضم الفاشر عدداً من مخيمات النازحين، أبرزها "أبو شوك" و"زمزم"، والتي باتت عنواناً دائماً للأزمات الإنسانية. ومع تصاعد النزاع، تدهورت الأوضاع المعيشية في هذه المخيمات بشكل كبير.
فيما أكدت منظمات دولية أن السكان يواجهون ظروفاً قاسية في مجالات الغذاء والرعاية الصحية والمأوى في ظل المذابح المتكررة في مدينة الفاشر.
ويستند اقتصاد المنطقة على الزراعة، لا سيما زراعة الدخن والسمسم، إلى جانب أسواقها الثلاثة المعروفة: السوق الكبير، سوق أم دفسو، وسوق المواشي.
لكن رغم الحصار والجوع والخراب، تبقى الفاشر شاهدة على قرون من التاريخ والثقافة.