مأزق النظام الإيراني بين شبح العقوبات وضرورة التغيير: قراءة في معضلة "آلية الزناد"
تعيش إيران اليوم لحظة فارقة في تاريخها السياسي، حيث يجد النظام نفسه محاصراً بين تصاعد الضغوط الدولية واحتدام الأزمات الداخلية. في قلب هذا المشهد، تبرز "آلية الزناد" كأداة دولية تهدد بإعادة فرض جميع العقوبات الأممية على طهران، لتكشف عن هشاشة استراتيجية النظام القائمة على المراوغة والابتزاز النووي. في ظل هذا التهديد، تتجلى الحاجة إلى خيار ثالث يتجاوز ثنائية الاسترضاء أو المواجهة العسكرية، ويضع التغيير الجذري على يد الشعب والمقاومة المنظمة في صلب الحل.
آلية الزناد: سلاح أوروبا في مواجهة المراوغة الإيرانية
تُعد "آلية الزناد" (Snapback Mechanism) أحد أبرز أدوات الضغط التي تمتلكها الدول الأوروبية في التعامل مع الملف النووي الإيراني. هذه الآلية تتيح إعادة فرض جميع العقوبات الدولية على إيران بشكل تلقائي، دون الحاجة إلى توافق مجلس الأمن أو إمكانية استخدام الفيتو من قبل الصين وروسيا. هذا الواقع الجديد أفقد النظام الإيراني هامش المناورة التقليدي، وجعله يواجه عزلة دولية غير مسبوقة.
تصريحات المسؤولين الأوروبيين، ولا سيما وزيري خارجية ألمانيا وفرنسا، أكدت أن أوروبا لن تتردد في تفعيل هذه الآلية إذا استمرت طهران في انتهاك التزاماتها النووية أو رفضت التفاوض بحسن نية. هذا التهديد المباشر وضع النظام في زاوية حرجة، حيث لم تعد سياسة "التوجه شرقاً" قادرة على إنقاذه من تداعيات العقوبات الشاملة.
ارتباك استراتيجي وعجز عن اتخاذ القرار
يعيش النظام الإيراني حالة من الارتباك الاستراتيجي الواضح. فهو من جهة يعتبر برنامجه النووي ضمانة لبقائه واستمراره في السلطة، ومن جهة أخرى يدرك أن تفعيل آلية الزناد سيعيده إلى عزلة اقتصادية وسياسية خانقة قد تعصف بقدرته على الصمود. هذا التناقض البنيوي جعل النظام عالقاً "تحت ظل الزناد"، عاجزاً عن التراجع أو التقدم، في وقت يضيق فيه هامش المناورة مع اقتراب انتهاء مهلة تفعيل الآلية.
القلق المتزايد داخل أروقة النظام انعكس في تصريحات مسؤوليه ووسائل إعلامه، التي باتت تحذر من "خطأ تاريخي" إذا ما أقدمت أوروبا على تفعيل الآلية، وتصف الوضع بأنه "أكثر تعقيداً وصعوبة بما لا يقاس".
الحاجة إلى الخيار الثالث: التغيير على يد الشعب والمقاومة
في ظل هذا المأزق، يتضح أن الرهان على الاسترضاء أو انتظار تدخل خارجي لم يعد مجدياً. فسياسة النظام القائمة على الخداع والمراوغة وصلت إلى نهايتها، وأثبتت التجربة أن العقوبات وحدها لا تكفي لإحداث التغيير المنشود. هنا يبرز "الخيار الثالث" كمسار واقعي وضروري: التغيير الجذري على يد الشعب الإيراني ومقاومته المنظمة.
هذا الخيار لا يقتصر على إسقاط النظام فحسب، بل يتطلب بناء بديل ديمقراطي يضمن الحريات والعدالة الاجتماعية، ويعيد إيران إلى موقعها الطبيعي في المجتمع الدولي. إن تصاعد الاحتجاجات الشعبية، وتنامي دور المقاومة المنظمة، والدعم الدولي المتزايد لهذا المسار، كلها مؤشرات على أن التغيير أصبح أكثر واقعية من أي وقت مضى.
تجسد أزمة "آلية الزناد" مأزق النظام الإيراني بين التشبث بسياسات الماضي والخوف من مستقبل يفرضه الشعب. في هذا السياق، لم يعد أمام إيران سوى خيار التغيير الجذري الذي يقوده الشعب وقواه المنظمة، بعيداً عن المساومات العقيمة أو الرهانات الخاسرة على القوى الخارجية. إن اللحظة الراهنة تحمل في طياتها فرصة تاريخية لإعادة رسم مستقبل إيران على أسس الحرية والديمقراطية، إذا ما تمسك الشعب بخياره الثالث وواصل نضاله حتى النهاية.