لولا يصعّد ضد ترمب: «لن أتحدث إليه»... وحداد يتحرّك دبلوماسياً

صعّد الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، لهجته تجاه الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، على خلفية قرار واشنطن فرض رسوم جمركية بنسبة 50 في المائة على السلع البرازيلية، واصفاً الخطوة بأنها «عدائية» وتتطلب موقفاً واضحاً من بلاده.
وفي تصريحات لاذعة، قال لولا: «لن أتحدث إلى ترمب»، مؤكداً عزمه التواصل بدلاً من ذلك مع قادة دوليين مثل الرئيس الصيني شي جينبينغ، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مستبعداً بشكل صريح نظيره الأميركي من أي تواصل مباشر.
ويُعكس هذا التصريح تصعيداً ملحوظاً في التوترات التجارية بين برازيليا وواشنطن، كما يُمهّد لتبلور اصطفاف جيوسياسي جديد تتراجع فيه الأولوية للقوة الاقتصادية الأميركية لمصلحة تحالفات بديلة.
في المقابل، أطلق وزير المالية البرازيلي، فرناندو حداد، تحركاً دبلوماسياً في محاولة لاحتواء الأزمة، معلناً أنه سيُجري اتصالاً هاتفياً الأسبوع المقبل مع وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت؛ لبحث تداعيات القرار وفتح قنوات تفاوض جديدة. وقال حداد للصحافيين في ساو باولو: «المكالمة ستُجرى الأربعاء المقبل، وبناءً على نتائجها، فقد نعقد اجتماعاً حضورياً لاحقاً».
وتسعى الحكومة البرازيلية عبر هذا التحرك إلى حماية مصالحها الاقتصادية في مواجهة قرارات تجارية أميركية وصفتها بـ«العقابية وغير المبررة».
ووفق تقديرات رسمية في برازيليا، فإن الرسوم الجمركية التي دخلت حيز التنفيذ يوم الأربعاء، وبعد تطبيق الاستثناءات التي وردت في الأمر التنفيذي الصادر عن ترمب الأسبوع الماضي، ستطول أقل من 36 في المائة من إجمالي قيمة الصادرات البرازيلية إلى الولايات المتحدة.
ويرى خبراء اقتصاديون أن الصادرات المتأثرة تشمل سلعاً أولية مثل اللحوم والبن؛ مما يتيح إمكانية إعادة توجيهها إلى أسواق بديلة بأسعار مخفضة نسبياً. وقالت لويزا بينيسي، الاقتصادية في شركة «إكس بي»، إن التأثير المتوقع على الناتج المحلي الإجمالي تراجع إلى 0.15 نقطة مئوية بعد الإعلان عن الاستثناءات.
من جهته، أبقى بنك «غولدمان ساكس» على توقعاته بنمو الاقتصاد البرازيلي بنسبة 2.3 في المائة هذا العام، مشيراً إلى أن «الاستثناءات اللافتة» من شأنها تخفيف الأثر الاقتصادي للقرار، خصوصاً مع اقتراب إعلان حزمة دعم حكومي للقطاعات المتضررة.
وقالت وزيرة التخطيط، سيموني تيبيت، إن البرازيل لا تعتمد فقط على الولايات المتحدة، بل تربطها أيضاً علاقات تجارية قوية بدول «بريكس» وأوروبا وتكتل «ميركوسور». وأضافت أن نحو نصف صادرات البلاد في قطاع الأغذية الزراعية - وهو أحد المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي في السنوات الأخيرة - يتجه إلى الأسواق الآسيوية، مقابل نحو 10 في المائة فقط إلى الولايات المتحدة.
وبشأن القطاع الصناعي، أوضحت أن الصادرات إلى آسيا تفوق نظيرتها إلى الولايات المتحدة بـ4 أضعاف.
انفتاح تجاري محدود يقلّل من وقع الأزمة
وتُعد البرازيل من الاقتصادات الأقل انفتاحاً على التجارة عالمياً، وهو ما يُخفف نسبياً من تداعيات القرارات الجمركية. فقد بلغت حصة الصادرات والواردات مجتمعة نحو 36 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، مقارنة بأكثر من 70 في المائة في المكسيك وباراغواي المجاورتين، ونحو 150 في المائة باقتصادات آسيوية مثل تايلاند وماليزيا، وفق بيانات البنك الدولي.
وقال تياغو كارلوس، مدير المحافظ للأسواق الناشئة في شركة «بيمكو»، إن غالبية الصادرات البرازيلية هي سلع أولية قابلة للتوجيه إلى أسواق جديدة بمرور الوقت، لافتاً إلى أن ارتفاع المعروض المحلي من الغذاء قد يسهم في تهدئة معدلات التضخم.
وأضاف: «مع احتمال تراجع التضخم، قد يجد البنك المركزي مساحة لتخفيف السياسة النقدية بشكل أسرع من المتوقع»، مشيراً إلى أن سعر الفائدة الرئيسي البالغ 15 في المائة لا يزال يمثل سياسة نقدية مشددة للغاية؛ مما يثقل كاهل النمو.
ووفق استطلاع أجرته وكالة «رويترز»، فإنه التوقعات بشأن نمو الاقتصاد البرازيلي في عام 2026 لم تتغير، حيث لا تزال ضمن نطاق بين 1.6 و1.7 في المائة، حتى دون التوصل إلى اتفاق تجاري مع واشنطن.
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية نسبياً، فإن لويس أوتافيو ليال، كبير الاقتصاديين في شركة «جي5 بارتنرز»، حذر بأن غياب الدعم الحكومي الموجّه بدقة قد يُعرض بعض القطاعات والوظائف لمخاطر حقيقية، خصوصاً أن الاستثناءات شملت نحو 700 منتج فقط، فيما تصدّر البرازيل نحو 4 آلاف سلعة إلى الولايات المتحدة.
وأشار البنك المركزي البرازيلي بدوره إلى أن الرسوم الأميركية قد يكون لها أثر «كبير» على بعض القطاعات، وإن كانت التأثيرات الكلية على الاقتصاد ستعتمد على مسار المفاوضات وتفاعل الأسواق.
وقال فلافيو أتاليبا، الباحث في جامعة «إف جي في» البرازيلية، إن تأثير الرسوم سيكون متفاوتاً بين المناطق، مشيراً إلى أن «منطقة الشمال الشرقي قد تكون الأكبر تضرراً، نظراً إلى اعتمادها على تصدير منتجات ذات قيمة مضافة منخفضة وكثيفة العمالة، مثل الفواكه الطازجة والمأكولات البحرية والمنسوجات والأحذية، وهي الآن جميعها خاضعة للرسوم الجمركية الكاملة بنسبة 50 في المائة».