التيك التوك
الكثير قيل عن تطبيق التيك التوك. الاميركيون يعتبرونه تهديدا امنيا ولذا أقرّ مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون يحظر التطبيق على مستوى البلاد إذا لم يقم مالكها ومقره الصين ببيع حصته لشركة امريكية. اما الهند فقد حظرت التطبيق إلى جانب عدد كبير من التطبيقات الصينية الأخرى، على خلفية الحادثة الدموية على الحدود الصينية الهندية عام ٢٠٢٠. هكذا اختفى التيك التوك في الهند بين ليلة وضحاها.
الصين نفسها اعلنت العام الماضي تحديد مدة زمنيًة يومية للمستخدمين الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا.
والتيك التوك هو احد المنصات الاكثر شعبية في العالم خاصة عند جيل الشباب. يقوم باستضافة فيديوهات قصيرة يتراوح طولها في الغالب بين ١٥ و ٣٠ ثانية. وان كان تيك توك في الاصل عبارة عن وسيلة اجتماعية انما يعتقد بعض المحللين والصحافيين انه اصبح ادات مهمة عند اشتعال الحروب.
ابان اجتياح روسيا لاوكرانيا كتب كبير صحافيي النيويورك تايمز توماس فريدمان، ان هذه الحرب ”هي الأولى التي سيتم تغطيتها مباشرة على التيك التوك من قبل أفراد يملكون هواتف ذكية فقط، لذلك سيتم توثيق الأعمال الوحشية وبثها في جميع أنحاء العالم دون اي حاجة لوسيط“.
في حرب غزة فريدمان نفسه قال ان "هذا التطبيق سيبث باستمرار مقاطع فيديو مدتها 15 ثانية لأسوأ معاناة إنسانية، وسيتسبب بموجة غضب ضد اسرائيل بين العديد من الأمريكيين العرب والأمريكيين المسلمين ويعرضها لفقدان دعم جيل كامل من الشباب عالميا".
والسؤال ما مدى تأثير نقل ونشر مقاطع الفيديو من ساحات القتال مباشرة للمشاهدين على مسار الحروب؟
في الحرب الأوكرانية مثلا وبعد اكثر من عامين من تغطية التيك التوك لها ونقل الهواتف الذكية لارتكبات الجيش الروسي بحق الاوكرانيين فان مسار الحرب اليوم يميل لصالح الروس. وبهذا الصدد حذر مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز مؤخرا من أنه بدون مساعدات عسكرية أمريكية إضافية، قد تخسر أوكرانيا الحرب مع روسيا بحلول نهاية العام. وقال بيرنز: "هناك خطر حقيقي للغاية من أن يخسر الأوكرانيون في ساحة المعركة بحلول نهاية عام 2024، أو على الأقل وضع بوتين في وضع يمكنه فيه بشكل أساسي من إملاء شروط التسوية السياسية“.
اذا وبالرغم من تطبيق التيك التوك ونقلها جرائم الحرب الى العالم فروسيا تتجه نحو يتيح لها ان تملي شروط التسوية السياسية كما توقع برنز.
اما في غزة وبالرغم من خسارة اسرائيل حرب التيك التوك باعتراف الاسرائيلين انفسهم وبالرغم من الضغوط العالمية عليها من اجل وقف الحرب وبالرغم من تحذير فريدمان اسرائيل انها تخسر مكانتها أو تخاطر بخسارة عقود من الجهود الدبلوماسية لحمل العالم على الاعتراف بحق الشعب اليهودي في تقرير المصير الوطني والدفاع عن النفس في وطنه التاريخي فان الحرب هناك لا تتوقف والهجوم على رفح الذي يخشاه العالم ويحاول جاهدا ثني اسرائيل على تنفيذه يبدو بدأ.
الشيء نفسه يقال عن الحرب السورية التي وثقت تطبيقات اليوتيوب فظاعات ميليشيا النظام وحلفائه لم تفض الى اقصاء الاسد. فهو مازال متربعا على عرشه في قصر المهاجرين.
للعودة الى التساؤل عن مدى تأثير التيك التوك وغيرها من التطبيقات على مسار الحرب كما يدعي فريدمان وغيره من الصحافيين والمحللين يمكنا ان نستنتج انه محدود جدا ومن دون اثر يذكر كما الحال في اوكرانيا وغزة وسوريا.
مشكلة التيك التوك تكمن في انه وحش شهيته لا متناهية، وهو بحاجة الى محتوى جديد ومختلف كل لحظة حتى يستطيع، اولا ان ُيبقي المتابع اكبر وقت على التطبيق، وثانيا ان يجذب اليه مشاهدين جدد كدليل على نموه ونجاحه. صحيح ان نشر المعلومات من خلال الفيديوهات من قلب المعركة اصبح ذات ايقاع سريع، انما كثرة النشر ووفرته له هذه الخاصية: انه يمحي ما سبقه بسرعة كبيرة ايضا.
فمن منا ما زال يتذكر ما جرى في السابع من اكتوبر؟
