اللاجئون السوريون ومشكلة لبنان

اللاجئون السوريون ومشكلة لبنان

تسببت الحرب الأهلية السورية التي اندلعت عام ٢٠١١ بكارثة انسانية كبيرة لم تقتصر جغرافية انتشارها على سورية فقط انما اثّرت على دول الجوار التي استقبلت اللاجئين الهاربين من اجرام الشراكة الروسية الايرانية الأسدية -نسبة للرئيس الاسد- التي انقضّت وبشكل وحشي على ما بدأ اعتراض سلمي على ديكتاتورية حزب البعث.

مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان أصبحت مادة تجاذب سياسية وصلت بها الحد الى خلق توترات أمنية تشكل خطرا على الامن الاجتماعي. ولكن من الجدير التذكير ان ما وصل البلد اليه من حالة احتقان هذه يعود اولا لفشل الدولة اللبنانية التعامل مع هذا اللجوء بشكل جدي. كما يتحمل بعض السياسيين اللبنانيين الذين يطالبون اليوم بترحيل السوريين واجبارهم العودة الى بلادهم جزء من المسؤولية, اذ هم عارضوا فكرة اقامة مخيمات بشكل قاطع معلّلين ان ما خبروه مع موضوع المخيمات الفلسطينية التي اقيمت في لبنان بعيد ”النكبة“ و بعد ”ايلول الاسود“ لا يبشّر بالخير وهو لم يجلب سوى المأساة على البلد، لذا هم ليسوا بوارد تكرار مثل هذه التجربة.
في المحصلة صار لبنان البلد الوحيد الذي لم ينظم هذا الوجود بشكل يحمي فيه اللاجئ وابن البلد من الفوضى التي كانت ستحصل حتما من جراء عشوائية الانتشار الكبير للسوريين في الاقضية والمحافظات اللبنانية.

هذا الملف عاد الى الواجهة بقوة بسبب احداث ذات طبيعة اجرامية كان ورائها اشخاص سوريين مؤخرا، ومع الحديث عن مساعدة لبنان بمليار يورو من قبل الاتحاد الاوروبي شرط منع انتقال اللاجئين الى اوروبا أي ابقائهم في لبنان حاليا.
بسرعة تحوّل هذا الملف الى حملة ممنهجة ضد اللجوء السوري وما يبدو نفخ في جمر قد يؤدي الى مشاكل امنية, لبنان بغنى عنها في ظل الظروف التي يمر بها.
قد يصعب في ظل هذه الاجواء المشحونة ايجاد حلول عادلة للبنانيين واللاجئين على حد سواء. فالغريزة تمنع اي تفكير موضوعي تجاه هذه الازمة. وللأسف تبرهن مجددا هذه الازمة ان لبنان دولة فاشلة وان السياسيين فيه استغلاليين ويبتغون تحقيق اهداف صغيرة جدا لا ترضي سوى غرور الانا.
صحيح ان تواجد السوريون في لبنان ادى الى الضغط على الموارد و البنى التحتية مثل المياه والصرف الصحي والكهرباء، مما أدى إلى تدهور الخدمات العامة في بعض الأحيان، امر دفع ثمنه اللبنانيون وصحيح ان هذا الوجود خلق بعض التوترات الاجتماعية, خاصة في المناطق التي يكون فيها التنافس على الموارد أكثر حدة, انما كان لهذا الوجود منافعه ايضا كتوفير العمالة الرخيصة لدى اصحاب المهن, زيادة الانشطة التجارية, ودخول اموال الى لبنان ومصارفه من اجل تعليم السوريين او مساعدتهم ماليا من قبل جهات مانحة كالأمم المتحدة او الاتحاد الاوروبي.

كان على الدولة اللبنانية تنظيم هذا الوجود منذ العام ٢٠١١ والتقليل من ضرره على لبنان والاستفادة منه حيث امكن ذلك. لكن هذه الدولة المعطلة لها باع طويل في ابقاء الامور في اطار غامض ورمادي ما يسهل عمليات الفساد من دون ترك اثر يؤدي الى المحاسبة.
فبالرغم من ابتلاع المصارف اللبنانية من ثلث إلى نصف المساعدات المالية لللاجئ السوري منذ بدء الأزمة المالية الحادة التي عرفها البلد عام ٢٠١٩ من خلال تسعير الدولار أقل بأربعين بالمئة من سعر السوق السوداء في هذه الفترة. وبالرغم من تحقيقات سابقة كشفت عن فساد مالي في مخصصات تعليم الطلاب السوريين اللاجئين حيث تبين ان ٩ ملايين دولار نهبت منذ ٢٠١٤ ضمن هذا البرنامج انما احدا لم يحاسب.

اصبح من الواضح ان فشل الدولة اللبنانية في ادارة ملف اللاجئين السوريين لا يزعج احد: لا الاوروبيين الذين في الحالة هذه يستطيعون شراء زمم المسؤولين وتنفيذ اجندتهم الخاصة وتأمين مصالحهم، لا المحرضين على هذا اللجوء من الساسة اللبنانيين فهو موضوع شعبوي اخر يبيعونه لجمهورهم اولا ثم لرعاتهم كدليل على فعاليتهم الوهمية ولا الدولة اللبنانية التي تعتاش على هذا الملف.
ولكن في المحصلة يبقى ان حياة الانسان ومآساته في منطقتنا هي مجرد سلعة للتجارة وبابخث الاثمان. فالواضح ان جميع البشر متساوون لكن البعض اكثر تساو من الاخرون