كييف تشيد تحصينات دفاعية وتستعد لحرب تطول حتى 2026
دأت أوكرانيا في تشييد تحصينات على طول خط الجبهة مع روسيا، التي سبقتها في هذه الخطوة منذ عام، في إشارة إلى أنها تستعد لحرب طويلة المدى، فيما يبدو وكأنها فقدت في الوقت الراهن الإمساك بزمام المبادرة عملانياً.
وأعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الاثنين الماضي عن "ألفي كيلومتر من الأشغال لتعزيز التحصينات القائمة وإنشاء تحصينات جديدة".
هذه المعلومات كانت وزارة الدفاع البريطانية قد كشفت عنها قبل يوم من ذلك، حيث أفادت بوجود خنادق مضادة للدبابات وخنادق للمشاة وحقول الألغام ومواقع دفاعية محصنة.
وأوضحت الوزارة على موقع التواصل الاجتماعي إكس إن "إنشاء مواقع دفاعية رئيسية يدل على صراع استنزاف ويعني أن أي محاولة لاختراقها ستصاحبها على الأرجح خسائر فادحة".
سيكون المشروع بمثابة رد على "خط سوروفيكين" الروسي الذي تم إنشاؤه عام 2023 في شرق أوكرانيا، والذي يتضمن ثلاث طبقات دفاعية في العمق، تهدف إلى إنهاك قوات العدو وزيادة صعوبة السيطرة على منطقة ما بعد أي اختراق عسكري.
ومن المحتمل أن يكون الرد الأوكراني أقل تفصيلاً وأقل عمقاً، ولكنه يستجيب بشكل عاجل لنقص الذخيرة لدى كييف.
وفي هذا السياق قال إيفان كليشتش من "المركز الدولي للدفاع والأمن" في إستونيا: "يقول المسؤولون الأوكرانيون بالفعل إن الوقت هو العامل الرئيسي الذي يمنعهم من بناء شيء مثل خط سوروفيكين".
لكن هذا الحلّ "ضروري لأن ندرة الذخيرة وانخفاض الروح المعنوية (للجنود) وضعا أوكرانيا في موقف دفاعي بوضوح".
خسائر العدو
وانتهى الهجوم المضاد الأوكراني في الخريف، والذي تم الاستعداد له بشكل واسع وصولاً إلى واشنطن، بالفشل مع خسائر فادحة ومكاسب إقليمية ضعيفة.
وأثبتت هذه الحرب، ربما أكثر من غيرها، أن الدفاع أفضل من الهجوم. والهدف من كلا المعسكرين هو إلحاق أكبر قدر من الخسائر بالخصم مع مرور الوقت.
ويريد زيلينسكي "تعظيم عدد القتلى والجرحى في الجانب الروسي"، حسبما لخص سيث جونز، نائب رئيس مركز الأبحاث الأميركي، لوكالة "فرانس برس"، مذكراً بأن "هذا النوع من التحصينات كان فعّالاً" في الماضي.
وفي روسيا، قلل المراقبون الذين اتصلت بهم وكالة "فرانس برس" من عواقب الإعلان الأوكراني.
هذه الخطوط (الدفاعية) "تثبت أن أوكرانيا أدركت أن هجومها قد فشل. ويعتمد نجاحها المحتمل على جودتها" وخاصة على حصة الميزانية التي سيتم تخصيصها لها في ظل الفساد المستوطن في أوكرانيا، في تقدير الخبير المستقل ألكسندر كرامشيخين.
ويتساءل فاسيلي كاشين، من المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، في إشارة إلى المدينة المحصنة: "هل لديهم ما يكفي من القوات لبنائها ومن ثم الدفاع عنها؟ لقد اخترق الجيش الروسي بالفعل التحصينات الأوكرانية الأكثر صلابة في أفدييفكا"، على الجبهة الشرقية التي سقطت في أيدي الروس منتصف فبراير الماضي.
أفق 2025-2026
في كل الأحوال، لم تغير كييف نموذجها العسكري ولا هدفها السياسي: تحرير إقليم دونباس (شرق)، فضلاً عن شبه جزيرة القرم، التي سيطرت عليها روسيا في عام 2014. ولكن يتعين عليها أن تأخذ في الاعتبار حقائق الصراع.
وأكد محللون من "معهد جينس للاستخبارات البريطاني" الخاص أن "الأوكرانيين اعتمدوا على التحصينات منذ صيف 2022". لكن، "الفرق الحقيقي اليوم هو أنهم لن يركزوا بعد الآن فقط على القرب المباشر من خط المواجهة"، ولكنهم سيعززون أيضًا مواقعهم الخلفية لتقليل "احتمال أن يستغل الخصم النجاحات التكتيكية".
وفي كييف، هناك أمل في أن تتراجع قدرة روسيا على مواصلة المجهود الحربي لفترة طويلة.
وفي موسكو، يحلمون بتخفيض المساعدات المالية والعسكرية الغربية لكييف بشكل أكبر. لكن المؤشرات تؤكد عكس ذلك.
ويرى فاسيلي كاشين أن "ميزان القوى يتغير وأوكرانيا تهدف إلى إطالة أمد الصراع حتى عام 2025 على الأقل".
وحتى لو بدت الجبهة هادئة، فإن الحرب "تجد نفسها أقل في طريق مسدود منها في مرحلة "إعادة الشحن"، حيث يحاول الطرفان المتحاربان تجهيز نفسيهما بالوسائل اللازمة لتحقيق القرار بحلول 2025-2026"، على ما جاء في تقرير لـ"معهد العلاقات الدولية" الفرنسي صدر هذا الأسبوع.
ولا يستطيع أي من الطرفين الفوز في الحرب اليوم. لكن لم يستسلم أحد، بحسب سيث جونز الذي يشدد على أنه "من الممكن" أن تصبح هذه التحصينات "حدوداً فعليّة".
لكن "هذا لا يعني بالضرورة أن هذه هي بداية المفاوضات"، على حد تعبيره، مضيفاً: "سوف يمر عام أو عامين آخرين قبل أن يكون الجانبان على استعداد للتحدث".