ضعف إيران يحرّر لبنان: فرصة للسيادة الوطنية

ضعف إيران يحرّر لبنان: فرصة للسيادة الوطنية

في عام 2024، شهد النفوذ الإيراني في المنطقة تراجعًا غير مسبوق، لا سيما في لبنان، الذي كان يُعتبر لعقود قاعدة استراتيجية لطهران عبر وكيلها الرئيسي، حزب الله. جاء هذا التراجع نتيجة سلسلة من الانتكاسات العسكرية والسياسية والاقتصادية التي أضعفت النظام الإيراني وحلفاءه، مما فتح الباب أمام لبنان لاستعادة سيادته وتحرير قراره الوطني من قبضة إيران. يسلط هذا المقال الضوء على كيفية قطع نفوذ النظام الإيراني في لبنان، مع التركيز على الضغوط الدولية، انهيار شبكة الحلفاء، والتحولات الداخلية في البلاد.

انهيار النفوذ العسكري الإيراني

كانت استراتيجية إيران العسكرية تعتمد بشكل كبير على ترسانة حزب الله الصاروخية ودعم الحرس الثوري الإيراني. لكن الهجمات الإسرائيلية المكثفة في عام 2024 دمرت حوالي 30% من ترسانة الحزب، وقتلت قادة بارزين، بما في ذلك حسن نصرالله، مما أضعف قدرته العسكرية بشكل كبير. كما أظهرت هذه العمليات تفوقًا استخباراتيًا إسرائيليًا، حيث تم استهداف قادة إيرانيين وفلسطينيين، مثل إسماعيل هنية، في قلب طهران، مما كشف عن ثغرات أمنية خطيرة في دفاعات النظام الإيراني. فشل هجوم "الوعد الحق" الإيراني على إسرائيل، الذي لم يُسفر إلا عن أضرار طفيفة، أبرز محدودية الأسلحة الإيرانية أمام الدفاعات الإسرائيلية المتطورة، مما جعل إيران في موقف دفاعي غير مسبوق.

في لبنان، توقفت خطوط الإمداد العسكرية التقليدية التي كانت تمر عبر سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، وهو حليف رئيسي لطهران. هذا الانهيار قطع شريان الحياة الذي كان يغذي حزب الله بالأسلحة والذخائر، مما جعل الحزب يعتمد بشكل رئيسي على رحلات جوية إيرانية لنقل الأموال والمعدات. لكن قرار الحكومة اللبنانية بحظر الرحلات الجوية المباشرة بين طهران وبيروت، تحت ضغوط دولية، أحبط هذه الجهود، وأظهر تراجع سيطرة حزب الله على المؤسسات اللبنانية. محاولات الحزب لعرقلة تنفيذ الحظر عبر احتجاجات في مطار بيروت قوبلت بتدخل حاسم من الجيش اللبناني، مما عكس ضعف نفوذه الداخلي.

الضغوط الدولية وموقف الولايات المتحدة

تزامن تراجع النفوذ الإيراني في لبنان مع تصعيد الضغوط الدولية على طهران، خاصة من الولايات المتحدة. في الأيام الأخيرة، أعلن استيفن ويتكاف، المبعوث الأمريكي الخاص للمفاوضات مع إيران، موقفًا متشددًا، مؤكدًا أن أي اتفاق مع إيران يجب أن يكون "اتفاقًا ترامبيًا" يتضمن وقف وتدمير برنامجها النووي والتسليحي بالكامل. هذا الموقف، الذي أكدته تامي بروس، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، يعكس عودة إلى نهج الضغط الأقصى الذي يتبناه الرئيس دونالد ترامب، والذي يهدف إلى منع إيران من امتلاك أي قدرات نووية، حتى لو كانت لأغراض مدنية. هذا التحول في الموقف الأمريكي يضع إيران أمام خيارين صعبين: التصعيد النووي المحفوف بالمخاطر، أو التفاوض الذي قد يُنظر إليه كاستسلام، مما يزيد من عزلتها الدولية.

هذه الضغوط الدبلوماسية، إلى جانب العقوبات الاقتصادية المستمرة، أضعفت قدرة إيران على تمويل حلفائها، بما في ذلك حزب الله. انخفاض قيمة الريال الإيراني إلى مستويات قياسية (892,500 للدولار في السوق الموازية) وارتفاع التضخم إلى حوالي 35% جعل من الصعب على طهران الاستمرار في تقديم الدعم المالي والعسكري لحزب الله، مما أدى إلى تراجع هيمنته في لبنان.
**

تحولات داخلية في لبنان

في لبنان، بدأت بوادر استعادة السيادة تظهر مع تراجع نفوذ حزب الله. الحكومة اللبنانية الجديدة اتخذت خطوات جريئة، مثل إزالة يافطات وصور تابعة لحزب الله والحرس الثوري على طريق مطار بيروت، في خطوة رمزية تعكس إرادة سياسية لتعزيز هيبة الدولة. هذه الخطوة، التي قوبلت بتأييد شعبي واسع، أثارت ردود فعل إيجابية، حيث اعتبرها البعض إشارة إلى نهاية "الوصاية الإيرانية" على لبنا**ن.

علاوة على ذلك، تشير تقارير إلى توترات داخلية غير مسبوقة داخل حزب الله بين جناحيه العسكري والسياسي، حيث يدفع البعض نحو التفاعل مع القوى السياسية اللبنانية في ظل تراجع الدعم الإيراني، بينما يتمسك آخرون بموقف "المقاومة". هناك أنباء عن مناقشات داخل الحزب لتسليم بعض الأسلحة الخفيفة والمتوسطة للجيش اللبناني، في محاولة لتخفيف الضغوط الدولية والداخلية، وهو ما قد يُعتبر خطوة نحو نزع سلاح الحزب جزئيًا. هذه التطورات، إلى جانب نشر الجيش اللبناني في الجنوب وتطهير مطار بيروت من النفوذ الإيراني، تعزز فرصة استعادة لبنان لاستقلاله.

فرصة تاريخية للبنان

يمثل تراجع النفوذ الإيراني في لبنان فرصة تاريخية لاستعادة السيادة الوطنية. لقد كان حزب الله، بدعم من إيران، يستخدم سلاحه ليس فقط ضد إسرائيل، بل لترهيب المعارضين السياسيين داخليًا والسيطرة على مؤسسات الدولة. مع ضعف هذا الدعم، أصبح من الممكن للبنان أن يتحرر من هيمنة الحزب ويعيد بناء دولته على أسس الاستقلال والاستقرار. الضغوط الدولية، بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل، إلى جانب التحولات الداخلية، تدفع نحو نزع سلاح حزب الله، وهو ما قد يفتح الباب أمام استقرار سياسي واقتصادي طويل الأمد.

الخلاصة

يعيش لبنان اليوم على مفترق طرق تاريخي. انهيار النفوذ الإيراني، نتيجة الخسائر العسكرية والاقتصادية والسياسية لطهران، يوفر فرصة غير مسبوقة لاستعادة السيادة الوطنية. قطع خطوط الإمداد العسكرية والمالية من إيران إلى حزب الله، إلى جانب الضغوط الدولية المتزايدة والتحولات الداخلية، يضع لبنان أمام خيار واضح: إما الاستمرار تحت وطأة النفوذ الإيراني المتداعي، أو اغتنام هذه اللحظة لبناء دولة مستقلة تحمي مصالح شعبها. مع استمرار الضغوط على إيران، خاصة فيما يتعلق ببرنامجها النووي، يبدو أن الوقت قد حان للبنان للنزول عن "شجرة" الهيمنة الإيرانية، كما دعا إلى ذلك سياسيون لبنانيون، والعودة إلى حضن الدولة.

قراءة المزيد

تونس: القضاء يصدر أحكامًا بالسجن في ملف التآمر على أمن الدولة

تونس: القضاء يصدر أحكامًا بالسجن في ملف التآمر على أمن الدولة

ذكرت وكالة تونس إفريقيا للأنباء أن محكمة تونسية أصدرت أحكاما بالسجن تتراوح بين 13 و66 عاما على زعماء من المعارضة ورجال أعمال ومحامين بتهمة التآمر على أمن الدولة. وتعد "قضية التآمر على أمن الدولة" واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في تونس، والتي يحاكم فيها عدد من أبرز

فضيحة سيغنال تُفجّر البنتاغون: مساعدو هيغسيث في مرمى العاصفة!

فضيحة سيغنال تُفجّر البنتاغون: مساعدو هيغسيث في مرمى العاصفة!

في تطور جديد يعكس تفاقم الفوضى داخل وزارة الدفاع الأميركية، أفاد مسؤول رفيع المستوى في الإدارة بأن جو كاسبر، رئيس أركان وزير الدفاع بيت هيغسيث، سيغادر منصبه قريباً ليشغل وظيفة جديدة داخل الوزارة، وذلك في ظل استمرار تداعيات فضيحة التسريبات التي حملت اسم "سيغنال". وبحسب موقع "بوليتيكو&

الحوثيون: ارتفاع عدد القتلى بسبب الغارات الأميركية على اليمن

الحوثيون: ارتفاع عدد القتلى بسبب الغارات الأميركية على اليمن

أفادت جماعة الحوثي في اليمن، يوم السبت، بارتفاع عدد الضحايا نتيجة الغارات الجوية التي شنتها القوات الأميركية على ميناء رأس عيسى النفطي، الذي يقع تحت سيطرتهم غرب البلاد. وذكرت وسائل إعلام تابعة للجماعة أن الهجوم أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 80 شخصاً، إضافة إلى إصابة نحو 150 آخرين.

بعد شهر على توقيف أكرم أوغلو.. موجة الاحتجاجات تصل إلى الجامعات التركية

بعد شهر على توقيف أكرم أوغلو.. موجة الاحتجاجات تصل إلى الجامعات التركية

بعد شهر من توقيف رئيس بلديّة إسطنبول أكرم إمام أوغلو في 19 مارس (آذار) الماضي، تواصلت التظاهرات الغاضبة والمنددة بعملية التوقيف، وامتدت إلى بعض الجامعات والمدارس الثانوية في تركيا. وكانت التظاهرات الحاشدة التي شهدتها إسطنبول في الأسبوع الأوّل بعد توقيف أكرم إمام أوغلو قد انتهت. وكان آلاف الأشخاص